...تجري من تحته السُّبُل!
...ليالٍ تمضي، وأيام تجيء بخيرها وشرها.. غير أن جميعها ينبي عن حالٍ واحدة، وحقيقة لا مفرّ منها، ولا استكبار عنها: أني مخلِّفٌ ورائي أيام مولدي مبتعد عنها كل يوم مرحلة، مقبل على حتفي قاطع نحوه كل يومٍ مثلها.. ليس في مسلكي هذا وقوف.. الطريق تجري من تحتي إن وقفت.. لكن بوسعي أن ألتفت ورائي ناظراً فيما خلفت، وما تركت خلفي من أثر في مراحلي السابقة.. غادرت صحباً كانوا معي على الطريق.. منهم أخ وخل وصديق.. ثم آل بي الأمر لأن أسير بلا رفيق.. كذا هي سبل السفر: عن أحوال الناس مسفرة.. وعن حَكَايا مودتهم مخبرة.. وإنا في الحياة مسافرون.. وإلى الله راجعون.. وامتد بي المسير إلى دُورٍ هوت نفسيَ وما هويت، فأتبعت نفسي هواها وولجت؛ وما كل والج تيك الدور بناجْ.. فإن والجها يغدو منها كخرَّاجٍ ولَّاج: إن أدبر عنها أدركه حُجَّابُها، وإن أقبل إليها استعذبها ثم مسَّه عذابها..! وإني إذا التبست المسالك - أو ضللت السبيل - التمست الدليل، فلم يُحِر من لقيت جوابًا، وأطبق الصمت، فأطرقت وأنا أسير وقلت: أشح القوم بالنطق.. أم أعيتهمُ حالي؟! - وقد جُعِلت النجوم دليلًا غير أني لم أهتدِ بها إلا قليلاً