حتى نكون خير الخطائين!


الإنسان أحد المخلوقات المميزة على غيرها من الكائنات، فهو يمتلك آلاف الخيارات، ويمتلك -في المجمل- حرية الاختيار والتصرف؛ وترجع أعماله في غالبها إلى الصواب والخطأ، تتعدد المعايير ويبقى الإنسان يتأرجح بين الصواب والخطأ وفقًا لتلك المعايير.
قد يسلك الإنسان سلوكًا يُعتبر وفقًا لبعض المعايير صوابًا، ووفقًا لمعايير أخرى يعتبر ذلك الفعل نفسه خطأ، وقد يفعل الإنسان الفعل ذاته مرتين، في إحداهما يعتبر صوابًا وفي الأخرى يعتبر خطأ، وذلك وفقًا لمعايير أخرى مصاحبة للفعل، وليس للفعل ذاته.
في مجتمعاتنا المسلمة يغلب التصويب والتخطئة من منطلق ديني، سواءً كان ذلك المعيار دينيًا حقيقيًا، أو كان منسوبًا للدين وربما كان الدين منه براء؛ كما تتم التخطئة والتصويب في ضوء العادات والأعراف الحاكمة لهذه المجتمعات، وبالتالي فما يعدّ خطأ في مجتمع قد يعتبر أمرًا مستساغًا في مجتمع آخر وفقًا لعاداته وتقاليده وأعرافه، و(العُرف محكًم) شرعًا.
الخطأ من طبيعة الإنسان، فهو كائن آخر مختلف عن الملائكة، له رغباته وشهواته ومطامعه في هذه الدنيا، وله عقل يزن به، وذلك العقل يختلف من إنسانٍ لآخر، كما أن له عاطفة تؤثر في قراراته، وسلوكياته؛ وبالتالي فليس مستغربًا من النوع البشري أن يخطئ، سواءً في تعامله مع غيره من المخلوقات، أو حتى في تعامله مع الخالق سبحانه وتعالى: الأخطاء التي تترتب عليها السيئات والأوزار.
الأخطاء بحد ذاتها أمر قليل الأهمية إذا ما تعاملنا معها كمفردة وكجزئية صغيرة من الأعمال البشرية، لكن الإشكال في التعامل مع الأخطاء، سواءً من الشخص ذاته، أو من المجتمع بأكمله، وهو ما سأحاول مناقشته والتركيز عليه.

الاعتراف بالخطأ.. خطوة في الاتجاه الصحيح
إن الإقرار بوجود الخطأ هو خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، وأعني هنا الخطأ المتفق عليه، بمعنى أدق: العمل المخالف للشريعة مخالفة متفقًا عليها، أو المخالف للأنظمة والقوانين؛ وقد يكون الخطأ تصرفًا آخر لا يخالف الشرع ولا يخالف الأنظمة، لكن تترتب عليه أضرارٌ أخرى ومخالفات شرعية أو نظامية: (مثلًا: التصرفات التربوية أو العادات الاجتماعية التي يترتب عليها ميل للعنف أو الجريمة أو الفاحشة: كغلاء المهور مثلًا أو الضرب والمنع من الوالدين في المنزل).
أما كون الإنسان -أو المجموعة- يكابر عن الخطأ وينكر وجوده أو يقلل من شأنه ومن تأثيره ومضاعفاته، فنحن هنا أمام أخطاء تراكمية لها تأثيرها وعواقبها التي تزيد من تأثير الخطأ وأضراره.

الأخطاء حين تصير ثقافة مجتمع!
ترتكب المجتمعات أخطاءً جماعية، وتصبح جزءًا من ثقافتها وتقاليدها، وهو ما يجعل الفرد يستسيغ تلك الأخطاء ويمارسها بحجة أن الجميع يفعل هذا الأمر؛ وربما كان العذر أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين، بمعنى أنه صار موروثًا ثقافيًا بالفعل؛ وحينها يكون التغيير بالغ الصعوبة.
ومن جهة أخرى، فإن ثقافات المجتمع الخاطئة، ينبغي أن تُقابل بالإنكار ممن يعي خطأها وخطرها، وأن لا يكون هناك مسايرة لها من أفراد المجتمع الواعين؛ وربما احتاج الأمر إلى تمرد على تلك الأخطاء بمخالفتها بشكل فردي، يكون مبادرة تحدٍّ أولى من أحد الأشخاص، ومن ثم سيخالفها غيره بعده، خاصة إذا كان هناك شرائح من المجتمع متفقة على خطأ هذا التصرف.

تعامل المجتمع مع المخطئ

التعامل مع الخطأ يقع على طرفي خطأ، بينهما الصواب:
  • التعامل مع المخطئ بشكل طبيعي، حتى كأنه لم يخطئ، وربما أوتي من الاحترام والتقدير شيئًا كبيرًا حتى مع المعرفة بخطئه، بسبب جاه أو مال لديه أو لأي سبب آخر.
وهذا التعامل يجعل الشخص يكرر خطأه وكأنه تصرف عادي، ويسهم في وقوع آخرين في ذلك الخطأ بسبب عدم وجود نفور من المجتمع تجاههم، وربما من كان يفعل ذلك الخطأ خفية يرتكبه علانية ويجاهر به.
  • التعامل مع المخطئ بردة فعل أكبر من حجم الخطأ، وجعله منبوذًا في المجتمع، ولا يغفر له المجتمع تلك الفعلة، ويشهر به؛ إلى غير ذلك من التصرفات.
وهذا التعامل مع الأخطاء يحدث مع أخطاء معينة -غالبًا مع الأخطاء المرتبطة بالفواحش-، ولكن ردة الفعل لها تأثير سلبي كبير على ذلك الفرد، ومن ثم تنعكس على المجتمع.
فهي تجعل ذلك الشخص ينظر إلى خطئه على أنه خطأ (لا يغفر)، وبالتالي فلا يبالي بالتوبة منه، بل قد يزيد إمعانًا في تكراره؛ كما أنه يرى أن سمعته قد تلطخت وشُوهت، ولا يبالي بها بعد ذلك، فليس بعد ذلك التشوه تشوه، هكذا يُنظر لها رغم خطأ هذه النظرة.
وقد يولد لديه ردة فعل تجاه المجتمع، ورغبة في الانتقام والتحدي لذلك المجتمع الذي نبذه وأبعده، ويجعل لديه رغبة في إثبات الذات، وأنه أفضل من كثيرين من أولئك الذين يحتقرونه!.
أمر آخر من انعكاسات هذا الأمر، وهو وقوع تلك الأخطاء مع عدم معالجتها بسبب خوف الفضيحة والعار، أو بعبارة أخرى: ردة الفعل المستنكرة استنكارًا شديدًا لذلك الفعل.
سأكمل الحديث عن موضوع الخطأ بإذن الله في مقالٍ أو مقالات قادمة.

[ تم النشر اليوم في مدونتي على صحيفة التقرير الإليكترونية ..
يسعدني نقدكم واطلاعكم على موضوعاتي ونشرها، كما يسعدني زيارتكم لملفي على موقع التقرير | http://altagreer.com/author/a-pipars55/ | ]

تعليقات

تدوينات مميزة

الحياة الجامعية (3) : استذكر بمهارة.. وطوع التقنية لصالحك!

كانت جميلة!

الحياة الجامعية.. همسات على الطريق