تنظيم الدولة.. حتى لا نلوم المبادئ!


تنظيم الدولة.. حتى لا نلوم المبادئ!

منذ بداية الحديث عن دولة العراق الإسلامية ثم انضمام الشام لها، ثم إعلانها الخلافة ، فإن هذه الظاهرة الغريبة كانت محل نظر الكثيرين، ومع كل تحول لها تتغير الآراء تجاهها بعد أن يزداد الأمر وضوحاً، علينا أن نعترف ونؤكد أن أي ثناء على الدولة خلال تواجدها في العراق فقط، أو حتى في بداياتها في سوريا ينبغي أن يكون مفصولاً تماماً عن الثناء عليها والانضمام لها في الفترة التي تلي ذلك.
دولة العراق في بداياتها انطلقت من فكر جهادي يناهض الاحتلال الأمريكي للعراق، ويناهض كذلك تسليم العراق للشيعة على وجه العموم بإعطائهم الأفضلية في الحكم، ولإيران ومن يواليها على وجه الخصوص؛ وبالتالي فهذا حق مشروع لأهل العراق، ومن ناصرهم من خارج العراق فهو ينطلق من منطلق النصرة لإخوته المسلمين، وهذا حق أيضاً مع الاختلاف في حكم استئذان ولي الأمر قبل خروجه من بلده، وكذلك استئذان والديه، وتقدير حاجة المجاهدين في الداخل ورأيهم وما إلى ذلك، لكن بوجه عام فإن عمله يعتبر عملاً طيباً.
تلكم هي البداية والهدف المعلن، أما ما وراء ذلك وما بعده فهذه أمور ليست واضحة، لكنها كانت تتضح مع الأيام، وتتضارب فيها الأقوال والآراء من داخل العراق خصوصاً فيما يتعلق بالمركبات المفخخة والتي كانت تقتل المدنيين الأبرياء بل ويصيب قتلها السنة كذلك وليس الرافضة المقاتلين فحسب.
علينا أن لا نحمل القاعدة وأتباع الدولة المسؤولية الوحيدة في هذه الأحداث والتي قُتل فيها الأبرياء، ففضلاً عن الظلم الأمريكي والرافضي الذي لازم الحرب الأمريكية على العراق، فقد أضاف الأمريكان وموالوهم إضافة ثانية فتحت الباب للاقتتال الداخلي، ولقتل المسلمين لبعضهم البعض، وفتحت باباً واسعاً لا يغلق يجعل من قتل أي مسلم أمراً سهلاً وبذريعة مقبولة، وهي: الصحوات!.
الصحوات كانت السبب الذي لأجله قتل الكثير من المجاهدين والأبرياء، وكانت هي بداية الشرارة في اقتتال المجاهدين في سوريا، القتال الأول بين الثوار والدولة كان بهذه الذريعة: هؤلاء صحوات تجندهم أمريكا وغيرها!.
والخلاصة لما سبق أن ( المبادئ ) في ذاتها والتي يتم الإعلان عنها هي مبادئ حقيقية تنطلق من منطلقات إسلامية سليمة: الجهاد في سبيل الله ورد المعتدي ( سواء كان جهاد دفع لأهل البلد الذين دخل المحتل ديارهم أو نصرة المظلومين من وجهة نظر الشاب الذي نفر من دولة أخرى) – قتال الرافضة المقاتلين المقتاتين على دماء السنة والذين يستحلونها – قتال الخَوَنة الذين يوالون المحتل والمعتدي ويعينونه على المؤمنين.
بل إن المبادئ الأصلية التي ينطلق منها كل سلفي جهادي في طريقه لتكفير أي شخص مستمدة من كتاب الله عز وجل، ومن الحديث الشريف، ومن ثم من كلام العلماء وعلى رأسهم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وأبرز ما يستندون إليه: كتاب التوحيد، ونواقض الإسلام التي كتبها رحمه الله، وكلها لا تطلق حكماً إلا بدليل شرعي ثابت، وبالتالي فإن المنطلق صحيح صائب!.
فهل يمكن أن نلوم الكتاب والسنة وعلماء الأمة؟! كلا وحاشا لله أن نفعل!
ولذلك فإن لوم المبادئ، واعتبار أن الخلل في الأصل هو لوم غير منضبط وغير مستقيم، واتجاه خاطئ في تقييم المشكلة وأصلها ، لكن علينا أن نبحث عن أصول أخرى ومنطلقات أخرى يمكن أن توصلنا إلى أساس المشكلة وبذرتها.
كما أن علينا أن نفصل بين الحديث عن التنظيم الرئيسي المركزي للقاعدة بقيادة أسامة بن لادن سابقاً والظواهري حالياً وبين تصرفات الفكر الجهادي السلفي والمنتسبين له في مواطن أخرى وعلى رأسها ( تنظيم الدولة ) أو ( تنظيم الخلافة ) الحالي، فلا يوجد أدنى تلازم بين الموقفين اليوم، خصوصاً بعد البيانات المتبادلة والخلاف بين تنظيم الدولة من جهة وبين التنظيم الرئيسي، وجبهة النصرة من جهة أخرى، ثم إعلان الخلافة والذي يؤكد بشكل قاطع أن هذا التنظيم يغرد خارج السرب ولا يمكن أن يحسب بأي حال من الأحوال على القاعدة الأم ، بل ويمكن القول أن معظم أو كل التنظيمات المنتسبة للقاعدة اليوم لا تنضوي تحت لواء القاعدة بشكل مباشر، والذي يظهر أنه لا يوجد مركزية تجعل القاعدة الأم توجه الأطراف والفروع، بل كل فرعٍ ينفرد بأسلوبه ورأيه، ولذلك نرى لكل (سلفية جهادية) أسلوباً في التعامل مع المستجدات، فمجاهدو ليبيا على سبيل المثال هم عونٌ لدولتها، وجزء من قواتها المسلحة المدافعة عن هيبة الدولة ضمن محاولات الانقلاب التي يقودها حفتر، بينما نهج سلفيو تونس منهج التفرغ للدعوة والانكباب على تعليم الناس رغم أنهم سلفية جهادية تحمل السلاح، وهكذا لكل قوم نهجهم بناء على ما يرونه على الأرض.
المبادئ التي ذُكرت أعلاه، والتي ذكرت أنها (كمبادئ) تعتبر مبادئ صحيحة، هي بالفعل كذلك؛ ولكنها تصطدم بواقع التطبيق والتنزيل الخاطئ، وهنا السؤال: من المستفيد من التنزيل الخاطئ؟! ، ومن الذي يسعى له ويحركه ويفرح به ؟!
ما هي أخطاء الآخرين التي جعلت هذه الآراء تلقى قبولاً ورواجاً بين الشباب؟! ومن هو المسؤول عن تلك الأخطاء ؟!
من هنا ننطلق نحو الإجابة، لنعرف المشكلة وأطرافها ونسعى نحو الحل!.
ولعلي وغيري ننطلق من هنا لنقيم الوضع بالشكل الصائب، مع استحضار التجارب التاريخية السابقة، خصوصاً ما كان منها مؤثراً بشكل مباشر على السلفية الجهادية وتشكل تصوراتها.

[ تم النشر في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية في شهر رمضان المبارك 1435 هـ ]

تعليقات

تدوينات مميزة

الحياة الجامعية (3) : استذكر بمهارة.. وطوع التقنية لصالحك!

كانت جميلة!

الحياة الجامعية.. همسات على الطريق