بماذا أفادني أخي الأكبر؟!


قبل أن أولد بعشر سنواتٍ وُلِد لوالدي ابنهما البكر، الذكر الأول، ثم جئت كذكرٍ ثان يفصل بيني وبينه إناث. 
رغبتي في التقليد بكل تأكيد تخطت كل الإناث إلى ذلك الذكر: رجل البيت، الذي تسند إليه المهام، ويثق به والداه، ويهتمان بشأنه، وهو يقوم بأعمال ومهام بكل نشاط، قد يتفق معه والداه فيها أو لا يتفقان لكن ثمة مساحة من الحرية في المنزل، تشجع على الإبداع وعلى فعل ما يحب كل شخص منا، وتوفر له الحاجيات التي يريد قدر الإمكان. 
أخي اشترى الحاسب (الكمبيوتر) في أول ظهوره في السعودية، وكان له شغف به وبالتقنية: فهو هنا يشتري مجلاتها، وهنا يشتري برامجها، وعتادها.. وهكذا ذاع صيته بين أقرانه في هذا المجال، وبالفعل فقد شق طريقه الأكاديمي في هذا المجال لاحقاً ثم مجال العمل كذلك. 
في زاوية أخرى من حياته كان إنسانًا يقرأ، ويشتري الكتب والمجلات، وقد كون في منزلنا مكتبة صغيرة لكنها جيدة، وربما كان شغفنا الأهم بالمجلات كونها متنوعة، وتحوي صوراً وربما أُحضرت بعض مجلات الأطفال، أو مجلات تحوي زاوية للأطفال. 
لقد استفدت من أخي الأكبر ربما دون توجيه مباشر منه، بل ربما تأذى مني وإخوتي حين نقترب من حاسوبه وأغراضه الشخصية، لكن أعيننا كانت ترمق تلك الشخصية في المنزل، وتحاول تتبع أثرها. 
أضف إلى ذلك أمراً آخر، وهو توفير الكتب والمجلات في المنزل. 
إن مجرد توفر تلك المجلات في المنزل جعل لدينا رغبة في القراءة والاطلاع والاستكشاف، ومن ثم صارت لدينا حصيلة ثقافية لا بأس بها، إضافة إلى الاهتمام بالقراءة من جهة وبالتقنية من جهة أخرى لاحقاً. 
نعم لست متميزاً في التقنية بشكل كبير، لكن لدي شيء يقارب الحد الأدنى مما ينبغي تعلمه، ولا ينبغي أن أكون في كل شيء مماثلاً لأخي، فلكل شخص اهتماماته وتطلعاته وتكوينه الشخصي، لكن إدراك أهمية التقنية منذ وقت مبكر بحكم استخدام أخي الأكبر لها كان أمراً إيجابياً. 
عندما تقدمت في العمر ووصلت للمرحلة الثانوية استفدت من التواصل معي الذي كان بعيداً عني، وفي محادثة خاطفة لم تستغرق الكثير من الوقت عبر الماسنجر وجهني لبعض التوجيهات في الدراسة، فاستفدت منها الكثير، وأسميتها: محادثة المعالم!.
لاحقاً، استشرته في اختيار التخصص الجامعي، ثم في أمور تتعلق بالتدريب..وسأظل إن شاء الله أستفيد منه. 
كل هذا قد لا يعني للقارئ الكريم شيئاً، لكن ما يعنيه وما أود أن أقوله له:
إذا كان لك أخ كبير، فحاول أن تستفيد من خبراته وتجاربه في الحياة، إذا لم يكن أخوك موجهاً لك بشكل مباشر، فلا بأس تعلم مما لا يقوله إذا كنت تراه مناسباً، لا أطلب منك أن تأخذ كل شيء، بل أطلب منك أن تقيم التصرفات والأفعال والأفكار وتأخذ منها المناسب فهذا يختصر عليك الكثير. 
وإذا كنت أخاً كبيراً، خصوصاً إذا كان هناك فارق كبير بينك وبين بعض إخوتك، فحاول التأثير عليهم بشكل إيجابي، حاول أن تصنع لهم عادات طيبة تفيدهم لاحقًا خصوصاً تلك الأمور التي تتمنى لو كنت في عمرهم لتتعلمها قبل أن تكبر.
حاول قدر الإمكان التوجيه بالقدوة والعمل، أو (إيجاد البيئة المناسبة) وإتاحة الشيء الذي ترغب أن يتعلموه، وربما دون توجيه منك، قد تصل رسالتك لهم كما وصلت إليّ دون أن يوجهني أخي!. 
كذلك الأمر بالنسبة للاستشارة والاستنصاح، انصح من هو أصغر منك من إخوتك، ولكن لا تأخذ دور الأب والأم قدر الإمكان، ولا دور الموجه الذي يملي التصرفات، من طابع الأب والأم أنهما حريصان بشكل شديد قد يتعدى مراحله الطبيعية إلى مرحلة المنع أو الفرض غير اللائق الذي يؤثر سلباً على ابنهما رغم أن هذا من باب المحبة، حين تكون أخاً كبيراً لا تكن كذلك ، وربما من الجيد أن تكون طرفاً ثالثاً تسهم في تخفيف ضغطهما على أخيك الأصغر إذا كان الأمر يتطلب ذلك، وتقنعهما بشيء يريده أخوك وتراه حقاً.. وهكذا. 
وفي جهة أخرى، استنصح أخاك الأكبر إن كان لك أخ أكبر، خصوصاً إذا كان الأمر الذي تريد النصح فيه في مجال اهتمامه وتخصصه، أو شيء جربه قبلك..
وأخيراً..
كثيرون هم الذين استفدت منهم، لكنني حرصت أن أكتب عن أخي الشقيق للأسباب التالية: 
-          من تخالطه في المنزل تراه في كل أحواله، وإذا كان يمارس الأنشطة الإيجابية في المنزل فهذا يعزز من صورته كقدوة، وهذا الأمر قد لا يتوافر لك مع غيره.. بل ربما استفدت منه حتى في أسلوب تنظيم غرفة نومه، ووقت نومه ونحو ذلك. 
-          مهما كانت أحوالك مع أصدقائك فتبقى هناك بعض الحواجز بينك وبينهم، بينما تعد الحواجز في المحيط العائلي أقل بكثير، ولعلك تلحظ أنك قد تختلف مع أخيك وتتشاجران ثم تعودان للمزاح بعد دقائق أو ساعات في أكثر الأحوال، بينما لو حدث الموقف ذاته مع صديق حميم، لم تعد المياه لمجراها الطبيعي مهما كان.. هي هكذا.. للمحيط العائلي وضع مختلف – غالباً وليس في كل الأحوال - . 
-          قليل هم الذين يستفيدون ممن حولهم من الناجحين، والذين يقدمون لك بتصرفاتهم خدمة مجانية.. انتبه لتلك الهدايا الربانية من حولك، ولا تفرط فيها.. بل وحتى لو لم يكونوا ناجحين بمعيارك، تأكد أن عند كل واحد ممن حولك مزية تحتاجها، ودرس يمكن أن تستفيد منه، فلا تفرط فيها.
أرجو أن تجدوا في هذه الأسطر ما يفيدكم.. وأن يكون له بصمة تأثير في حياتكم..
لكم خالص الود..

تعليقات

تدوينات مميزة

الحياة الجامعية (3) : استذكر بمهارة.. وطوع التقنية لصالحك!

كانت جميلة!

الحياة الجامعية.. همسات على الطريق