أنت أيها الشاب (1) [مقدمة] : المسؤولية تجاه الأمة

  بسم الله الرحمن الرحيم

شباب الأمة اليوم وكل يوم تتوجه إليهم الأعين من الجميع، الكل ينظر إليهم، وينتظر منهم الكثير، الكل يريد أن يغير فيهم، أو يغيرهم، أو ينتظر منهم التغيير.. الأعداء ينظرون إليهم، وكذلك المحبون المخلصون للأمة.


وهم محقون في ذلك، ففترة الشباب هي فترة النشاط والحيوية، وربما كانت سنوات الشباب العشرين – إذا افترضنا أنها تبدأ من العشرين حتى الأربعين – يحقق الإنسان فيها من الإنجازات والأعمال ما يعادل 70% أو أكثر من إنجازات حياته وأعمالها، فأما ما قبلها من مراحل الطفولة والمراهقة، فهي مراحل تكوينٍ وبناء مع ضعفٍ في البُنية والتفكير، وأما ما بعدها فهو من مراحل جني الثمرات، وحتى وإن اكتمل العقل خلالها ونضج إلا أنها تبقى مراحل يبدأ الإنسان فيها بضعف الإنتاج، أو ضعف العقل بالفعل إذا تقدم في العمر، لأسبابٍ عديدة.

لذا، فليكن اهتمامنا ونظرنا إلى تلك السنوات على أنها سنوات الإنتاج في حياة الإنسان، وسنوات التغيير، والتي إن تجاوزها دون أن يغير من نفسه، ودون أن يُنتج إنتاجاً حقيقياً، فإنه سيكون خلال ما بعدها من سنواتٍ أكثر ضعفاً في الإنتاج – هذا على وجه العموم وعلى وجه ربط النتائج بالمقدمات والأسباب - .

لنفترض أن مركب [ العقل والخبرة والنشاط ] هو مركب ثلاثي مجموعه يساوي 100% ، فإن هذه النسبة تميل في بدايات الشباب إلى زيادة في منسوب النشاط ليتجاوز 60% فيما يكون للعقل والخبرة بقية المئة، مع ضعف الخبرة بالتأكيد وتكون أكثرية ما تبقى لصالح العقل.
وكلما اقترب الشاب من عمر (الأشد) = الأربعين، فإن هذه النسب تتغير لصالح العقل والخبرة، حتى يصل إلى الأربعين فيطغى العقل، وتتبعه الخبرة ثم يصبح النشاط في المرحلة الثالثة؛ ولا يعني هذا عدم القدرة على الإنجاز والتأثير، ولكن أقصد النشاط الجسدي، والحماسة الشديدة للعمل وللتغيير، والسخط على الواقع وما إلى ذلك.. فهذه الأمور كثيراً ما تكون لدى الشاب أكثر من غيره، ثم إنه مع تقدم العمر به يصبح أكثر اتزاناً وعقلاً وحكمة، فيقدم على الأمور بعد أن يدرسها ويحكم عقله أكثر من تحكيم عاطفته، مع وجود تأثير العاطفة الإيجابي ولا شك.

فما الذي نطلبه من الشباب المسلم اليوم؟!
إن الشاب المسلم يواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، ولذا فعليه أن يكون أكثر جدية وحرصاً، كما أن على المجتمع أن يهتم به فيكفل له أقل قدر من التحديات والمخاطر، ويعطيه الجرعات اللازمة لبنائه ليواجه تحديات الحياة من حوله من كل جانب.
إذن نحن أمام تحديات – وحاجة لتقليل التحديات – وحاجة للتربية التي هي بمثابة مصل الوقاية ، ثم قد نضطر إلى استخدام العلاج بعد ذلك، وهي وإن كانت واقعاً إلا أننا ينبغي أن نحاول أن لا نصل إليها إلا في حدود ضيقة.
ونلاحظ هنا أن الاهتمام والتركيز على دور البيئة والمجتمع، ولعلنا نفصل في هذا في وقت لاحق، ولكن دعونا نتحدث عن الشاب ودوره لأجل نفسه ولأجل أمته أولاً.

من منطلق التحديات التي تواجه الشاب المسلم، عليه أن يحرص على أن يكون قادراً على تحمل تلك التحديات، وأن يدرك حجم المسؤولية والمهمة الملقاة على عاتقه، فالشباب هم عِماد الأمم وبهم تقوم نهضتها وحضارتها، وهم مستقبلها حتى ولو لم يصنعوا مجدها اليوم شباباً، فإن كفاحهم وعملهم اليوم سيجعلهم يصنعون المجد غداً وهم شيوخ كبار، بخبرتهم وتوجيههم، وربما كان ما يرونه في كِبرهم هو نتاجٌ مباشر لكفاحهم في شبابهم وصِغرهم.


في أحلك الظروف التي مرت بها الأمة، كان للشباب دورٌ كبير في التغيير والتأثير، وما أيام الاستعمار الغربي الأخير عنا ببعيد، لا زال حبر أحداثها لم يجف بعد.. سطر الشباب فيها أروع الملاحم، وأجمل البطولات، حتى وإن لم تكتمل الصورة التي أرادوها أن تكون إلا أنهم ساهموا في الإبقاء على الكثير من أحلام الأمة وآمالها لتكون قريبة المنال، أقرب إلى التحقق والحدوث، وأفسدوا اكتمال الصورة للعدو الغاصب، فلم يجعلوه يحقق كل أمانيه وخططه وأهدافه.


ومرة أخرى، هبت الصحوة الإسلامية في محيطنا، فكان لشبابها التأثير الأكبر، بل أصبحوا هم سادة المشهد في تلك الصحوة – المباركة إن شاء الله – وظل الكثير من رموزها ظاهرين حتى بعد أن تقدم بهم الأمر، وها هم يرسمون الطريق لمن بعدهم.. فما هو دورنا وما هو المطلوب منا؟!


إن الأمة – يا أحبتي – تحتاجنا في كل الميادين، وتحتاج منا كل جهدٍ صغيراً كان أو كبيراً، وعلى ذلك:
علينا أن نخدمها بما نستطيع، علينا أن نقدم كل جهدٍ نملكه لأجل خدمة أمتنا ولأجل تحقيق النهضة التي تجعلها الأمة الأولى في كل المجالات، لأنها تستحق أن تكون كذلك، فهي أمة الدين الصحيح الأوحد على هذه المعمورة اليوم، وهي خير أمة أخرجت للناس.

إننا أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – الصادق الأمين، الرجل الذي قاد هذه الأمة خير قيادة، وغير فيها – بدين الله عز وجل – أيما تغيير، أفلا نقتفي أثره، ونتبع طريقه الذي رسمه لنا ؟!.

ونحن أتباع صحابته من بعده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.. وبقية الصحب الكرام، الذين حكموا فعدلوا، وساروا على خطى نبيهم، وثبتوا، فتوسعت دولة الإسلام وجابت راية التوحيد الآفاق، أفلا نكمل المسير، لنوصلها إلى كل بيتٍ في هذا العالم؟!
والعالم اليوم أحوجَ ما يكون إلى الإسلام، يحتاج الإسلام حتى يكون عالماً تسيره القيم والمبادئ والأخلاق، لا أن تسيّره المصالح، ويأكل القوي فيه حق الضعيف.. العالم يحتاجنا، فهل نهب لمهمتنا ؟!

تعليقات

تدوينات مميزة

الحياة الجامعية (3) : استذكر بمهارة.. وطوع التقنية لصالحك!

كانت جميلة!

الحياة الجامعية.. همسات على الطريق